کد مطلب:187328 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:261

و سلاحه البکاء (24)
الصحراء مد البصر بتموجات الرمال و خشخشة الأشواك. و القافلة التی حطت رحلها ثلاثة أیام فی كربلاء تنساب فی بطون الأودیة فی طریقها الی المدینة المنورة من أرض الحجاز.

قافلة عجیبة أرید لها أن تصحح مسار الانسان... لیس فیها الآن الا نسوة و أطفال و فتی وحید قد ذرف علی العشرین.

انها تشق الطریق صوب وطن فارقته مذعورة و تعود الیه الیوم مقهورة... تترك آثارها فی المحطات المتعاقبة و فی التاریخ.

كان لها موقف فی «عذیب الهجانات» و فی «الرهیمیة»، و فی «البیضة» و فی «شراف» و فی «بطن العقبة» و فی «الشقوق» و فی «الثعلبیة» و فی «زرود» و بعدها فی «الخزیمیة» ثم فی «الحاجر» و فی «ذات عرق» و فی كل المواقف التی مرت بها القافلة یوم رام الحسین تصحیح مسار التاریخ البشری.

و لما وصلت القافلة قریبا من «ثنیات الوداع» ألقت برحلها.

التفت الفتی الی رجل كان قد التحق بالقافلة فی عرض الطریق:



[ صفحه 89]



- یا بشیر رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر علی شئ منه؟

أجاب ابن حذلم:

- بلی یا ابن رسول الله انی لأقول الشعر.

- أدخل المدینة اذن وانع أباعبدالله.

انطلق الفارس صوب المدینة بشیرا و نذیرا و الی جانب المسجد انطلقت صرخة هزت المدینة و الانسان و التاریخ:

یا أهل یثرب لا مقام لكم بها.

قتل الحسین فأدمعی مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

و الرأس من فوق القناة یدار

ان هی الا صیحة واحدة فاذا هم من البیوت الی المسجد ینسلون.

هتف أحدهم مدهوشا:

- ماذا وراءك؟!

صاح الفارس كأنه یخاطب العالم بأسره:

- هذا علی بن الحسین مع عماته و اخواته قد حلوا بساحتكم و أنا رسوله الیكم أعرفكم مكانه.

طفحت أسئلة متعجبة... خائفة.. قلقة:

- و الحسین و الرجال؟!



[ صفحه 90]



- لقد قتلوا جمیعا صرعتهم القبائل و الرماح... و الظمأ..

- أین؟!

- علی شطآن الفرات فی أرض تدعی كربلاء.

خرج أهل یثرب الی عرض الصحراء كأنهم یلبون نداء من وراء ستار الغیب.

نهض الفتی ینوء بنفسه تخنقه العبرات و تضبب رؤیته الدموع..

وضع له كرسی خارج الخیمة فتهالك فوقه، یستقبل آلاف الكلمات المعزیة. كانت المدینة تبكی، الأرض و الحجارة، و قلب الانسان.

آن للمدن أن تغسل اثمها و عارها، آن للأرض أن تطهر ثراها، و آن للانسان أن یقول كلمته.

أومأ نجل الحسین الی الناس أن اسكتوا فلما اشرأبت الأعناق قال:

- الحمدلله رب العالمین الرحمن الرحیم.. مالك یوم الدین بارئ الخلائق أجمعین. الذی بعد فارتفع فی السماوات العلی، و قرب فشهد النجوی. نحمده علی عظائم الامور و فجائع الدهور، و ألم الفجائع و مضاضة اللواذع، و جلیل الرزء. ان الله تعالی و له الحمد ابتلانا بمصائب جلیلة و ثلمة فی الاسلام عظیمة.

سكت الفتی هنیهة لیروی روح الملحمة:



[ صفحه 91]



- قتل أبوعبدالله الحسین و عترته، و سبیت نساؤه وصبیته، و داروا برأسه فی البلدان.

و أردف معلنا نهایة زمن الفرح و بدایة حزن الانسان:

- فأی رجالات منكم یسرون بعد قتله؟ أم أی فؤاد لا یحزن من أجله؟! أم أیة عین منكم تحبس دمعها و تضن عن انهما لها؟!

لقد بكت السماوات الشداد لقتله

و بكت البحار بأمواجها. و الأرض بأرجائها

و الأشجار بأغصانها. و الحیتان فی لجج البحار

و الملائكة

و انهمرت الدموع غزیرة كسماء حزینة توشك أن تقول:

- و بكاه الانسان.

بركت النوق عند مسجد النبی توقظ فی الذاكرة یوما بركت فیه «القصواء».

هتفت زینب و هی تأخذ بعضادتی المسجد:

- یا جداه! انی ناعیة الیك أخی الحسین.

و صاحت سكینة:

- یا جداه الیك المشتكی مما جری علینا.. فوالله ما رأیت أقسی من یزید و لا رأیت كافرا و مشركا شرا منه و أجفی و لا أغلظ.. كان یقرع ثغر أبی بمخصرته و یقول: كیف رأیت الضرب یا حسین.

تساءل رجل بشماتة:



[ صفحه 92]



- من الغالب؟

فأجاب فتی الحسین یعلمه سر النصر و معنی الانكسار:

- اذا دخل وقت الصلاة فأذن و أقم تعرف الغالب.

و سكت الرجل الشامت لا یدری ما یقول.



[ صفحه 93]